
تواصل جماعة الإخوان في اليمن، عبر ذراعها السياسية المعروفة بـ "التجمع اليمني للإصلاح"، تأزيم الأوضاع السياسية والميدانية، وخلق التوترات، بغرض تعميم حالة اللّااستقرار. اللافت أنّ الجماعة تباشر دورها المشبوه سواء باضطلاعها بأدوار مباشرة من خلال توتيرها المناطق الخاضعة لسيطرتها، ونهب الموارد وفرض سياسة الإتاوات، فضلاً عن الخطف وممارسات قمعية أمنية عديدة، أو بتحالفاتها الخفية والمعلنة مع آخرين من التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة والحوثيين. وقد تورط الإخوان بذلك في جرائم وخروقات حقوقية ضد الإنسانية، كما فاقمت من الأزمة الإنسانية والسياسية التي تئن تحت وطأتها البلاد منذ أكثر من عقد.
وقد لعبت الذراع السياسية للإخوان دوراً مباشراً في تعطيل أيّ إمكانية لتسوية سياسية باليمن، بل إنّها عمدت إلى دعم الحوثيين بشكل تكتيكي، وكان واضحاً وقوف قيادات حزب (الإصلاح) أو فصائل متحالفة معها إلى جانب صعود الحوثيين عسكرياً وسياسياً في الفترة بين عامي 2014 و2015، كوسيلة لإزاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحلفائه الذين أصبحوا منافسين لحزب (الإصلاح) من المشهد، ظناً منهم بإمكانية التحكم بالحوثيين لاحقاً. أسهمت هذه العوامل في تهيئة الساحة السياسية والميدانية لانقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية واحتلال العاصمة صنعاء.
ووسعت جماعة الإخوان من تحالفاتها مع تنظيمات إرهابية في إطار عملية التخادم السياسي، المحلي والإقليمي، الأمر الذي برز في ارتباطاتها البراغماتية المشبوهة في الجبهات الغربية مثل تعز والحديدة، مع تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب". وبالتالي لا يبدو مفاجئاً تورط الميليشيات التابعة لحزب (الإصلاح) في انتهاكات حقوق الإنسان، وتشمل الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب في السجون، والاستيلاء على الممتلكات. وفي المناطق التي تقع تحت نفوذهم هناك شبكة من الفساد التي تسيطر عليها الميليشيات، وتتولى الاستيلاء على المساعدات الإنسانية، والتحكم في منافذ التهريب (خاصة الوقود والغذاء).
تقويض مؤسسات الدولة
وبحسب الباحث المختص في الشؤون السياسية والإقليمية الدكتور مصطفى صلاح، فإنّ الدور المنوط بالميليشيات في اليمن يتمثل في إعاقة عودة المؤسسات الشرعية، لافتاً في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ الحوثيين وحزب (الإصلاح) لكلّ منهما أهداف واضحة في إطالة أمد الحرب والاستثمار في الفوضى، وهو يحقق لهم فوائد سياسية ومالية واقتصادية في ظل النفوذ الأمني الميليشياوي في بعض المناطق والنطاقات الإدارية الجغرافية، وبالتالي تمانع هذه القوى الاستقرار أو التنمية أو استعادة مؤسسات الدولة. ويقول: "العكس هو ما يحدث تماماً بهدف الحفاظ على النفوذ الذاتي وتشكيل أكثر من حزام أمني بدعاوى مختلفة لحماية مكتسباتهم".
يتفق والرأي ذاته الباحث المصري المختص في الأمن الإقليمي الدكتور عبد السلام القصاص، الذي يرى أنّ تعدد الولاءات والنفوذ الخارجي وتبعية القوى الميليشياوية ووجود وكلاء محليين لهم على الأرض في اليمن لرسم خريطة النفوذ وحدود المصالح، يتسبب في إضعاف أيّ شرعية للدولة، على خلفية الـ "ولاءات المتضاربة بما يعقد جهود التوصل إلى حلّ سياسي يمني شامل يخدم مصالح الشعب اليمني أوّلاً".
ويضيف القصاص لـ (حفريات): "أسهمت الممارسات التي تورط فيها الإخوان (حزب الإصلاح) وفصائل مرتبطة بهم بشكل كبير في استمرار الحرب وتعقيدها؛ حيث إنّ تحالفاتهم التكتيكية مع الحوثي مرة أو القاعدة مرات أخرى، وانتقال ولاءاتهم من طرف إلى آخر في ظل المناورات المرتبكة والبحث عن هامش الربح والخسارة، نجم عنها صراعات متكررة واندلاع جبهات صراع جديدة بين الحين والآخر، مستنزفة بذلك موارد اليمنيين. وقد فاقمت هذه الأوضاع المأزومة من المعاناة الإنسانية نتيجة تفشي شبكات الفساد والاستيلاء على المساعدات وسوء الإدارة في المناطق الواقعة تحت نفوذهم، الأمر الذي خلق مناخاً من الخوف والقمع".
مواجهات دموية
في هذا السياق، اندلعت قبل أيام مواجهة عسكرية محتدمة بين ميليشيات تابعة لحزب (الإصلاح) في مأرب، وقبائل يمنية بالمحافظات النفطية. المواجهة الدموية في أوّل أيام عيد الأضحى كررت وضعاً مأزوماً وغير إنساني في فترات الأعياد، بدد فرص التهدئة أو الهدنة المؤقتة، حيث لم يكن بمقدور العائلات في مناطق "الظمين" و"الراكة" و"بئر المصلحة" في وادي عبيدة بمأرب، الخروج لأداء صلاة العيد، نتيجة التخوفات من الاشتباكات والمواجهات العسكرية بين الطرفين.
وقد نجم عن تلك الحوادث "تضرر أبراج نقل الطاقة الكهربائية التي تزود مدينة مأرب، ممّا أدى إلى انقطاعات متكررة في أول أيام العيد، وما يزال الخط الحيوي الرابط بين مأرب وحضرموت في حالة شلل تام"، وفق موقع (العين) الإخباري، الذي نقل عن مصادر قولهم إنّ "الاشتباكات بين قبائل عبيدة والقوات العسكرية الموالية للإخوان شهدت هدوءاً حذراً مساء أول أيام العيد، وسط جهود قبلية لقيادة وساطة لاحتواء تجدد المواجهات الدامية. وكانت المواجهات قد أسفرت، منذ اندلاعها يوم الأربعاء الماضي، عن سقوط أكثر من (40) جريحاً في صفوف القبائل و(10) آخرين في صفوف القوات العسكرية الموالية للإخوان، وقد استخدمت المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة في الاشتباكات. وانفجرت الاشتباكات إثر احتجاز القوات العسكرية الموالية للإخوان شاحنات ثقيلة للقبائل كانت تقوم بنقل أحجار الرخام من جبل الحجيلي ببلدة "الثنية" في صافر بمديرية الوادي".
وتأتي هذه المواجهات وسط مخاوف شعبية من دخول ميليشيات الحوثي كطرف ثالث وخفيّ لاستنزاف الطرفين وإشعال "الفتنة"، ممّا يستدعي تدخل المجلس الرئاسي والتحالف لوقف المواجهات وحقن الدماء.
وثمّة سوابق عديدة لهذا الصراع المرير الذي يخوضه الإخوان، منها ما جرى قبل عامين تقريباً، ونجم عنه مقتل الزعيم القبلي مبارك بن طالب، حيث يواصل الإخوان تحريك الوضع القبلي واستنزافه في مواجهات تدميرية لحساب مصالحهم وتحالفاتهم، وبعضها يصبّ في خدمة الحوثيين، كما حدث مع تسليم مناطق في مديريات "مراد" و"جهم" و"الجدعان" و"بني جبر". وذلك ما يلقي بالظلال على الحوادث التي تتجدد في مناطق قبائل عبيدة التي تُعدّ خطوط المقاومة النهائية والأخيرة للدفاع عن مأرب في وجه الميليشيات المدعومة من إيران.